قبل أن ينطلق عبد المطلب القيسي في مهمة انتحارية لإطلاق النار على الجنود الإسرائيليين عند جسر الملك حسين (اللنبي)، كتب وصية قال فيها: "يا أبناء أمتي، إلى متى نظل صامتين على من يحتلون الأرض، هل سنظل صامتين حتى يصلوا إلينا وينتهكوا مقدساتنا؟"، كما يروي ديفيد هيرست في مقال بموقع ميدل إيست آي.

القيسي، وقبله ماهر الجازي الذي هاجم القوات الإسرائيلية على الحدود العام الماضي، ليسا فلسطينيين بل من أبناء الضفة الشرقية. رسالته كانت موجهة إلى "الأحرار الشرفاء في كل مكان، وخاصة إلى عشائر الشام: الأردن، فلسطين، سوريا ولبنان".

ومفادها أن ما يحدث في غزة سيتكرر في بقية الدول العربية، وأن الصمت تواطؤ، والنتيجة أن مشروع "إسرائيل الكبرى" سيصل إليهم.

بحسب ميدل إيست آي، فإن هذه الرسالة تعكس مزاجًا أوسع يتجاوز حدود عمّان، وتشير إلى خطأ تاريخي في حسابات إسرائيل. فتهديدها لم يعد مقتصرًا على الفلسطينيين، بل يشمل المنطقة بأسرها بلا استثناء، بغض النظر عن التحالفات أو الانتماءات السياسية أو الهويات القبلية والدينية.

 

الخطر الوجودي لإسرائيل

خطاب بنيامين نتنياهو ووزرائه الذي يصر على أن إسرائيل ستكون الدولة الوحيدة غرب نهر الأردن، خلق حالة من الذعر في الإقليم. ما يقرب من عامين من الحرب خلّفا أجزاء مدمرة في لبنان وغزة، واحتلالًا لجنوب سوريا، واغتيالات طالت قادة في اليمن وإيران. بل إن الطائرات الإسرائيلية قصفت مرتين فرقًا تفاوضية، في مسقط ثم الدوحة، وهو ما يعكس أن إسرائيل لا تسعى إلى تسويات سياسية بل إلى فرض حدودها الجديدة بالقوة.

ومستفيدة من إدارة أمريكية يهيمن عليها تيار إنجيلي متطرف، حصلت إسرائيل على اعتراف بضم الجولان ونقل السفارة إلى القدس، إضافة إلى دعم مباشر في حرب غزة. حتى خطاب السفير الأمريكي مايك هاكبي في القدس حمل لغة دينية صريحة، إذ وصف إسرائيل بأنها "العاصمة الأبدية لشعب الله المختار"، مما يفتح الباب أمام حرب ذات طابع ديني.

 

مشروع "سوبر إسبرطة"

يعتقد نتنياهو أن سبعة ملايين يهودي يمكنهم إخضاع مئات الملايين من العرب والمسلمين. رؤيته لـ"إسرائيل سوبر إسبرطة" تجاوزت هدف القضاء على المقاومة الفلسطينية، وأصبحت تستهدف كل منافس إقليمي: إيران، تركيا، بل وحتى دول الخليج.
هذا التوجه يهدد سيادة جميع الدول، غنية كانت مثل الإمارات أو قديمة كالمملكة المصرية. ورغم توقيع أبوظبي على اتفاقيات أبراهام، بدأت أصوات بارزة هناك تصفها بالعبء السياسي، وتدعو إلى خطوات اقتصادية ضد إسرائيل مثل إغلاق الأجواء أمام طيرانها، وهو إجراء قد يكبّدها خسائر بعشرات المليارات.
 

مصر والأردن في دائرة الخطر

في مصر، تدهورت العلاقات مع إسرائيل بشكل حاد منذ سيطرتها على معبر رفح وممر فيلادلفي. رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي وصف إسرائيل علنًا بـ"العدو" لأول مرة منذ توليه الحكم، محذرًا من أن خطط تهجير الفلسطينيين إلى سيناء خط أحمر يهدد الأمن القومي. إسرائيل بدورها روّجت ادعاءات عن بناء مصر قواعد صاروخية في سيناء، ما يرفع مستوى التوتر ويخلق مبررات لهجمات مستقبلية.

الأردن يشهد نقاشًا مشابهًا حول جدوى اتفاقية وادي عربة. كتّاب مثل ماهر أبو طير يحذرون من احتمال أن تستخدم إسرائيل ملف الوصاية على الأقصى أو قضية اللاجئين لإعادة احتلال أجزاء من جنوب الأردن أو زعزعة استقرار المملكة.
 

تحولات في التحالفات

التطورات الأخيرة دفعت الدول العربية إلى التفكير في تحالفات دفاعية غير مسبوقة. السعودية التي كانت على خلاف عميق مع تركيا بعد مقتل جمال خاشقجي، عادت لتوقّع معها عقود تسليح ضخمة، وبدأت تفكر في شراء مقاتلات الجيل الخامس "قان". كذلك تشهد العلاقات بين القاهرة وأنقرة تقاربًا واضحًا تُوّج بالإعلان عن مناورات بحرية مشتركة للمرة الأولى منذ 13 عامًا.

وفي موازاة ذلك، أعلنت الرياض عن معاهدة دفاع مشترك مع باكستان، القوة النووية الإسلامية الوحيدة، وهو ما يرسل إشارة قوية بعد الضربات الإسرائيلية على الدوحة. وجود الصين في خلفية هذا التحالف يزيد من حساسية المشهد بالنسبة لواشنطن.
 

العرب يتغيرون

على مدار عقود، شكّل الانقسام العربي ركيزة أساسية للمشروع الصهيوني. لكن التطورات الأخيرة – من سخط شعبي في الشارع، إلى تحولات في خطاب النخب السياسية، وصولًا إلى إعادة تشكيل التحالفات العسكرية – توحي بأن هذا الواقع لم يعد ثابتًا. وكما يحذّر ديفيد هيرست، فإن إسرائيل تخطئ حساباتها إذا افترضت أن التفكك العربي سيبقى إلى الأبد.

https://www.middleeasteye.net/opinion/israel-wages-war-on-whole-region-arabs-finally-turning